الانضمام للوقاية
۲۸ أيار ۲۰۱۳
الالتزام بالتوصيات حول الوقاية من النوبة القلبية والسكتة الدماغية هو مسؤولية مشتركة بين الطبيب والفرد والمجتمع.
نعيش اليوم في بلد حيث بات تشخيص مرض الشريان التاجي وارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض أخرى أسهل بكثير. وما أن يتضح التشخيص إلى أن تتضح خطة العمل التي تشمل خيارات متعددة بدءًا بتغيير نمط الحياة وتناول الأدوية ووصولًا إلى تدابير أكثر تعقيدَا مثل القسطرة القلبية. وعند الحديث عن الوقاية من النوبة القلبية والسكتة الدماغية والوفاة جراء النوبة القلبية، يركز الأطباء بصورة أساسية على تغيير نمط الحياة وتناول الأدوية بصورة مزمنة. كما أن الالتزام بتوصيات الأطباء حول هذين المطلبين بات يشكل بشكل واضح تحديًا لنظام الرعاية الصحية وبالتالي عائقًا أمام تحسين النتائج الصحية للمرضى.
من أجل التوسع في مسألة الالتزام، فلنبدأ بشرح ما نطلب من المرضى القيام به. باختصار, وعلى مستوى تغيرات نمط الحياة العلاجية، نطلب من الراشدين استبدال حميتهم الغذائية بحمية صحية أكثر (ملح أقل، سكر أقل، دهون مشبعة أقل)، إضافة إلى ممارسة الرياضة بانتظام والإقلاع عن التدخين وخسارة الوزن في حال كان المريض مصاب بالسمنة المفرطة. أما بالنسبة إلى الأدوية، تجدر الإشارة إلى أن معظم الأدوية الموصوفة في حال ارتفاع ضغط الدم أو السكري أو ارتفاع دهون الدم أو مرض القلب يجب أن يواظب المريض عليها مدى الحياة في أغلب الحالات. والآن، بعد أن أوضحنا ما نطلبه من المرضى، فلنفكر أكثر في الأرقام التي نريد التوصل إليها لنفهم بشكل أفضل كيف يمكن تحقيق ذلك بالشكل الأمثل.
في دراسة صدرت مؤخرًا حول "الراشدين اللبنانيين الذين يبدون بصحة جيدة"، تبين أن أكثر من 80% من هؤلاء بحاجة إلى إدخال التغييرات على نمط حياتهم و10% منهم تقريبًا مصابون بداء السكري من دون علمهم و12% منهم تقريبًا مصابون بارتفاع ضغط الدم من دون علمهم و24% منهم يعانون السمنة المفرطة.
أما بالنسبة إلى الأدوية المطلوب تناولها، مثل الأدوية المخفضة لمعدل الدهون بشكل خاص، فتبين أن 19,4% من هؤلاء بحاجة إلى هذه الأدوية منذ البداية مباشرة، مع العلم أن هؤلاء الأفراد بدوا بصحة جيدة ولم يشخصوا سابقًا بأي مرض. بالتالي، هل تتخيلون كيف ستصبح هذه النسب لو ضمنا المصابين أصلًا بارتفاع ضغط الدم أو مرض الشريان التاجي أو السكري أو السكتة الدماغية؟
تتعدد التحديات المرتبطة بالالتزام بتناول الأدوية ومنها: 1. الكلفة و سهولة الحصول عليها، 2. الأفكار المغلوطة حول بعض أنواع الأدوية والأمراض التي لا يعبر المرضى عنها أمام الطبيب، 3. عدم إعطاء الأطباء للمرضى ما يكفي من المعلومات حول مرضهم والأدوية الموصوفة لهم، 4. المخاوف المتعلقة بالآثار الجانبية (لا سيما عندما تؤثر هذه الآثار الجانبية على الأداء الجنسي للمريض أو تسبب الإحراج المهني (مثل الحاجة إلى الذهاب إلى الحمام بصورة متكررة)، وغير ذلك)، 5. مشاكل الالتزام: المرضى الشباب يترددون في الالتزام بتناول الأدوية على مدى الحياة ظناً منهم أن الوقت مبكر للبدء بالقيام بذلك في حين أن بعض الكبار في السن لا يبالون كثيرًا بقضاياهم الصحية بحجة أنّه "لم يبق من العمر أكثر مما مضى"، 6. ومشاكل في الذاكرة (لا سيما عندما يرتفع عدد الأدوية).
من أجل التعاطي مع الوضع المفصل أعلاه، ينبغي على الأطباء والمرضى التواصل بحرية للتطرق إلى مختلف المسائل. كما أن كلفة الأدوية وإمكانية الحصول عليها للكثير من الأمراض مسألة عملت عليها وزارة الصحة من خلال تأمين الأدوية الجنيسة من لائحة الأدوية الأساسية. اسألوا عن هذه اللائحة واطلبوا من الطبيب وصف دواء من الأسماء المدرجة عليها. فأكثرية أدويتكم قد تكون متوفرة بسعر مقبول جدًا. أما بالنسبة إلى الآثار الجانبية لهذه الأدوية، فلا تتردوا في التعبير عن هواجسكم بصورة واضحة وتذكروا وجود البدائل والحلول. وعندما يكون الالتزام مسألة غير محسومة، تذكروا أن الوقاية يجب أن تبدأ في وقت مبكر وهي أفضل بكثير من النوبة القلبية أو الإعاقة الدائمة أو الوفاة. أنت عزيز على عائلتك ومن المهم أن تبقى سليمًا وبصحة جيدة وأنت تساهم في الرفاه العام لعائلتك ومحيطك فذلك خير لك من أن تتحول إلى عبء كبير.
أما بالنسبة إلى الالتزام بتغيير نمط الحياة، فهنا تبدو المهمة أكثر تطلبًا. من المهم أن نستذكر أنه في معظم المنازل اللبنانية، ليس جميعها، تبقى الأم المدبرة الأولى للمنزل. انطلاقًا من هذا الواقع، يمكننا تركيز جهودنا من خلال العمل مع هذه النساء من أجل ضمان أن تكن شريكات في بلوغ مجتمع أكثر صحة. كما أنه من الفعال أكثر التحدث دومًا مع فرد العائلة، مهما كان، المسؤول عن شراء البقالة أو الطبخ من أجل التأكد من التزام هذا الشخص بإعداد أطباق صحية أكثر. إذ يجب خفض استهلاكنا للملح والسكر والدهون المشبعة. وقد يؤثر ذلك على الزوج والأولاد ما يفيد الجميع. كما يجدر بالراشدين تبادل المحفزات وتحفيز الشباب من أجل القيام بالتمارين الرياضية المنتظمة مثل المشي. في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن المشي نشاط بفوائد متراكمة مثلًا صعود السلالم خير من استخدام المصعد! كما أن العمل لساعات متأخرة ليس ذريعة لعدم الذهاب مشيًا على الأقدام إلى محل البقالة بدلًا من استخدام السيارة! أخيرًا، إن الدليل المبرر للإقلاع عن التدخين لا لبس فيه ونعم، للنرجيله آثار سلبية مماثلة لتدخين السجائر. مهما كان نوع النرجيله، أو طريقة التدخين، فهي مضرة. والتدخين يجب ألا يكون نشاطًا تجتمع فيه العائلة، لا سيما في ظل التدخين السلبي، أي تنشق الدخان الصادر من مدخن آخر بمجرد التواجد في الغرفة نفسها فهذا أيضًا خطر على صحتك.
في الخلاصة، يجب تذكير الجميع بأن الوقاية من النوبات القلبية والسكتات الدماغية والموت المفاجئ تبدأ في وقت باكر من الحياة. وتبدأ الوقاية باعتماد نمط حياة صحي على مستوى الحمية الغذائية وعدم التدخين وممارسة التمارين الرياضية. كما يعني ذلك أيضًا التنبه إلى الحاجة إلى ضبط الأمراض التي تزيد من احتمال النوبات القلبية والسكتات الدماغية من خلال الالتزام بالأدوية الموصوفة. كما يحتاج المرضى إلى تطوير علاقة ثقة مع أطبائهم ويتوجب على كل طرف الإنصات إلى الطرف الآخر من أجل ضمان تحقيق النتيجة الأمثل. كما ينبغي على المرضى المصابين بالأمراض المزمنة عدم إجراء أي تعديل على أدويتهم بمبادرة ذاتية: يكفي طلب المشورة من الطبيب. أخيرًا، يحتاج كل منا إلى أن يكون قوة إيجابية تدفع الآخرين إلى الحصول على حياة صحية أكثر.
بقلم: الدكتور حسين إسماعيل، طبيب، زميل في الجمعية الأوروبية لطب القلب، زميل في جمعية التصوير المقطعي للقلب والأوعية الدموية
مدير مشارك في برنامج طب الأوعية الدموية
قسم أمراض القلب
الجامعة الأميركية في بيروت